رمضانيات فلسطين

بطاقات  رمضانية

مواقع رمضانية

 

 

القدس.. صورة قديمة

القدس.. ليست مجرد مدينة من عشرات الألوف من مدن الأرض، ولكنها رمز من رموز الإسلام، ومن هنا تأتي أهميتها ولعله ليس من بلدان الدنيا بلد يحق أن تفاخر بما حوته من مقدسات كمدينة بيت المقدس ومظاهر الاحتفال فيها في العصرين المملوكي والعثماني عزاها في صورة قديمة ننقلها للقارئ عبر صفحات كتابات المؤرخين والرحالة.

وطوال شهر رمضان ولياليه تقام صلاة التراويح بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة وعند أبواب الحرم، وكان أكثر سكان القدس يحضرون هذه الصلاة كامل شهر رمضان حتى أن عددًا من الأئمة بداخل الأقصى وقبة الصخرة وعند أبواب الحرم كانوا لا يقومون بوظيفتهم إلا في صلاة التراويح طوال شهر رمضان فقط، وهذا يؤكد لنا أن المسلمين في القدس كانوا يحتفلون في بيت المقدس بهذا الشهر احتفالاً كبيرًا يتفق ومكانة هذا الشهر الدينية لديهم ولحقيقة أن المصادر والمراجع التي بين أيدنا تسهب في وصف ما كان عليه رمضان في المدينة المقدسة.

وكان أهل المدينة يحتفلون بليالي رمضان إما بإحياء لياليه بتلاوة آيات من القرآن الكريم أو ببعض وسائل السرور مثل دق الطبول إلى غير ذلك من الوسائل، وكان رمضان فرصة طيبة للإكثار من الصدقات وإطعام الفقراء، ومن مظاهر التوسعة في ذلك الشهر الكريم ما ذكره المؤرخون وورد في الوثائق المملوكية والعثمانية، والتي تمثل حجج الوقف للمنشآت في هذين العصرين، صرف رواتب إضافية لأرباب الوظائف وطلبة العلم والأيتام بمكاتب تحفيظ القرآن الكريم، فضلاً عن أن التوسعة ربما قد شملت صرف كميات إضافية من السكر نظرًا لأن كمية المستهلك منه تتزايد في هذا الشهر بسبب الإكثار من عمل الحلوى.

لقد كان عدد العلماء بالقدس كبيرًا فإذا قارنا هذا العدد من العلماء والفقهاء بالنسبة لعدد سكان المدينة لتأكد لنا أن العلوم الدينية بوجه خاص قد حظيت بسهم وافر في تلك البيئة التي يغلب عليها الطابع الديني؛ مما جعل هذه المدينة أحد المركز الخصبة للفكر الإسلامي طوال العصر المملوكي، وكذلك العصر العثماني.

وتقبل الجموع الغفيرة التي اتسمت بالخشوع وبأن الخضوع والتقوى عليها لسماع مجالس العلوم بالمسجد الأقصى، ومنها من كان يحيي الليل بالسماع والعبادة وبختم القرآن الكريم. تلك بعض مظاهر الحياة في رمضان في مدينة لا تُطفأ قناديلها إلا قبيل طلوع الفجر في شهر رمضان.

يذكر الشيوخ اليوم إذ كانوا أطفالاً قبل النكبة ذكريات عديدة، يذكرون المسجد الأقصى وزينته ودروسه وصلاة التراويح فيه، كذلك مسجد الجزار في عكا والحرم الإبراهيمي في الخليل، يذكرون ذلك ودموع الحزن في عيونهم.

أما الجيل الثاني الذي ولد في المخيمات أو في المدن التي لم تحتل فذكرياتهم عن رمضان تختلف قليلاً يذكرون الموائد الرمضانية في فلسطين والأكلات الشعبية التي يشتهر بها السكان هنالك مثل "المغلوية" والمنسف، وأنواع أخرى مثل: الكنافة والقطايف يذكرون أناشيدهم في مدارس وكالة غوث، وهم يودعون شهر رمضان بحزن؛ إذ يقولون: لا أوحش الله منك يا رمضان.. يا شهر القيام والإيمان.

أما الجيل الثالث جيل الانتفاضة فذكرياته تختلف عن آبائه وأجداده، ذكرياته دروس في مساجد الأحياء، أدعية مختارة حجارة تنطلق مع صوت "الله أكبر" ذكريات أزعجت المتحلين أيَّما إزعاج، فقد ظن المحتل أن الجيل الثالث سينسي وطنه، لكنهم فوجئوا بحبهم له، وعرفوا مصدر ذلك: إنه المسجد، والإيمان، وإنها الصحوة.

فيذكر الجيل الثالث حفظ القرآن وتلاوته، وتعلقهم بالمساجد ودروسها من فقه وتوحيد وسيرة وتاريخ وغيرها، فينزلون إلى الشوارع بعد السحور وهم يحملون بأيديهم الحجارة ليترقبوا دورية عسكرية ويرجموها مع "الله أكبر". تعلموا أناشيد غير التي تعلمها آباؤهم وأجدادهم مثل:

خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود

ثورة ثورة على المحتل بغير المصحف ما في حل

لكنهم حرموا من التمتع بذكريات رمضان، فالمسحراتي لم يعد يتجول ليوقظ الناس بسبب منع التجول، وألعابهم وأناشيدهم حرموها، وحتى أصوات مدافع رمضان منعت مراعاة لشعور المستوطنين، ومكبرات الصوت نزعت من المآذن، لكن الشباب منهم عرفوا معنى رمضان وحكمته، عرفوا الجهاد والصبر وتعلموا أن النصر يأتي بعد الصبر.

الاحتفالات الإسلامية

1- احتفال ختم القرآن:

في غرفة الأثر الشريف الملاصقة للجامع المنصوري الكبير يقام مجلس خاص لتلاوة القرآن الكريم بكامله طوال شهر رمضان، يبدأ بعد صلاة العصر يوميًّا بإشراف شيخ قراء طرابلس، ويتناوب معه في التلاوة عدد من المواظبين على حضور هذا المجلس، ويكتفي المتحلِّقون بالإنصات إلى التلاوة الصحيحة.

ودرج احتفال الختمية منذ سبعة عقود حين كان يتولى القراءة المرحوم الشيخ عمر العريف، والمرحوم الشيخ علي شيخ العرب، والمرحوم الشيخ نصوح البارودي قبل أن يتولاها الشيخ صلاح الدين كبارة في عام 1951م.

وتتم الختمية في احتفال مهيب عصر التاسع والعشرين من رمضان بأدعية وابتهالات دينية في الاعتذار من هذا الشهر الكريم وتمني اللقاء سريعًا في العام المقبل.

2- زيارة الأثر الشريف:

والأثر الشريف هو بضع شعرات منسوبة إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أهداها السلطان عبد الحميد إلى طرابلس؛ تقديرًا لولائها للدولة العثمانية، وذلك في عام 1308 هجرية، فوضعت في علبة من الذهب الخالص، وأرسلت مع أحد الباشوات في فرقاطة بحرية خاصة، وعندما وصلت إلى ميناء طرابلس هرع أهالي المدينة بطوائفها كافة لاستقبالها وهي كانت مهداة إلى جامع التفاحي الذي رممه السلطان عبد الحميد؛ فسمي باسم الجامع الحميدي؛ لأن الشيخ علي رشيد الميقاتي رحمه الله أقنع رجالات المدينة بأن يوضع الأثر الشريف في الجامع المنصوري؛ لكونه أكبر مساجد المدينة، ومنذ ذلك التاريخ والطرابلسيون يحرصون بعد صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان، أو في ختام احتفالات ليلة القدر على زيارة هذا الأثر الشريف؛ وطلبًا لاستشعار بعض من الصلة الروحانية. وسط التكبير والتهليل وقرع النوبات التي غصت بها باحة المسجد.

3- ختم البخاري

واحتفال رمضاني آخر بطرابلس يقام بعد صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان يجري في جامع طينال الأثري؛ إذ يتولى الشيخ الدكتور محمد أكرم الخطيب أستاذ الحضارة الإسلامية في الجامعة اللبنانية قراءة ختم صحيح البخاري من على سدة في صدر المسجد، وتتخلل فصول الختمية أناشيد وابتهالات.

وكانت قراءة مجلدات صحيح البخاري الأربعة تبدأ من أول شهر رجب الخير من كل عام حتى الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، وبدأ هذا التقليد في أواسط عهد دولة المماليك، وهو تقليد حافظ عليه آل الخطيب منذ حوالي 700 سنة، بنا على فرمانات صادرة عن دولة المماليك، كرستها فرمانات أخرى عثمانية فيما بعد، لا تزال في حوزة آل الخطيب.

 

 


back to 1 site