تهويد القدس : خطط ومراحل

خطة "القدس الكبرى" والالتفاف على اتفاق اوسلوا

في حزيران الماضي اتخذت الحكومة "الاسرائيلية" قرار بتوسيع حدود بلدية القدس الى ما وراء الخط الاخضر، وادخال عدد من المستوطنات اليهودية الواقعة في الضفة الغربية ضمن نطاق بلدية القدس الكبرى. وبحسب المخطط الذي أقرته الحكومة، والذي يفترض ان يدخل حيز التنفيذ هذا الشهر، فان مناطق جديدة تقع غرب القدس وشرقها ستنضم الى بلدية المدينة. بينها اراض عربية تشكل جزءا من الضفة الغربية وهي عندما تصبح ملحقة ببلدية القدس تخضع للنظام "الاسرائيلي" في البناء والتنظيم المدني والعمراني، ولا يحق تاليا لاصحابها التصرف بها او البناء عليها الا بعد نيل موافقة السلطات البلدية للقدس. ما يعني انه لم يعد يحق لملاكي الارض العرب التصرف بحرية في اراضيهم الا ضمن المخطط العام الذي وضعته اللجنة الرسمية لما سمته "القدس الكبرى".

وليست المرة الاولى التي تقوم "اسرائيل" بتوسيع حدود بلدية القدس. فمنذ احتلال القدس الغربية وتقسيم المدينة قسمين عربي ويهودي، وحدود المدينة تتبدل وتتوسع. قبل حرب 1967 توسعت المدينة في اتجاه الغرب فقط، لكن المرحلة الاساسية في توسيع المدينة اتت بعد احتلال "اسرائيل" القدس الشرقية وضمها مساحات كبيرة من الاراضي وادخالها في نطاق حدود بلدية القدس.

ويأتي التوسيع الاخير لحدود المدينة يتوج مسارا طويلا من الجهود الكثيفة التي بذلتها الحكومات "الاسرائيلية" المتعاقبة لتفريغ القدس من سكانها العرب وتهويد المدينة وإحاطتها بالمستوطنات بحيث تصبح واقعا لا يمكن تجاوزه عندما يأتي اوان درس وضعها.

وتقوم خطة " القدس الكبرى" على توسيع نطاق بلدية القدس كما ذكرنا غربا وجنوبا. وادخال مستوطنات يهودية كبيرة مثل معالية ادوميم التي يسكنها اكثر من 15.500 مستو طن ومستوطنة عفعات زئيف الواقعة غرب المدينة والتي يسكنها اكثر من 5675 مستوطنا ضمن بلدية القدس، مما يربط هذه المستوطنات ربطا كاملا بمدينة القدس ويقطع الطريق على بحث أي تسوية تتعلق بوجودها عندما يحين وقت بحث المرحلة الاخيرة للحل في الضفة الغربية.

وتتضمن الخطة اقامة نوع من "مظلة بلدية" تشمل الاراضي المحيطة بالقدس من ناحية الشرق كلها. مما يعني فرض قيود على البناء العربي في محاولة واضحة لكبح أي زيادة سكانية عربية مستقبلا حول القدس، والحفاظ على التوازن السكاني الدقيق بين اليهود والعرب في المدينة وحولها.

جذور خطة "القدس الكبرى"

توسيع بلدية القدس لم يأت فقط نتيجة ابحاث قامت بها حكومة نتانياهو، انما يعود الى حكومات عمالية سابقة أخرى برئاسة اسحق شامير.

عام 1990 قدم ارييل شارون الذي كان يتولى آنذاك منصب وزير البناء والاسكان خطة تضمنت تكثيف البناء في القدس بهدف تعزيز وضع المدينة. وعام 1991 كشف النقاب عن خطة سرية باسم "خطة بوابات القدس" اعدتها وزارة البناء والاسكان بالاشتراك مع مجموعة عطيرت كوهايم وتضمنت اقامة 26 نقطة استيطانية في القدس، وبناء 4 آلاف وحدة سكانية على اراض صودر معظمها عام 1967. وفي 1992، وعقب اصدار حكومة حزب العمل قراراها بتجميد الاستيطان استثنت منه منطقة القدس. وفي ايام حكومة رابين قام فريق من الخبراء باعداد خطة لـ "تطوير منطقة القدس الكبرى". وعام 1995 أي بعد عامين على توقيع اتفاق اوسلو، انهت لجنة وزارية دراسة اعدتها لما سمته "خطة القدس المتروبوليتانية" وذلك بناء من تكليف خاص من حكومة اسحق رابين. وفي المخطط المذكور تتوسع حدود مدينة القدس شرقا وشمالا وجنوبا بحيث تصبح مساحتها نحو 960 كيلومترا مربعا، وتشمل مدنا عربية كبرى مثل بيت لحم ورام الله.

الخطة التي اقرتها حكومة نتانياهو هي خطة القدس الكبرى. اما القدس المتروبوليتانية فقد تصبح مشروع السنوات المقبلة. ولا تخفى على احد الاهداف السياسية والامنية التي كانت وراء توسيع حدود بلدية القدس في هذا الوقت بالذات أي في ظل جمود العملية السلمية، وتعثر المفاوضات مع الفلسطينيين، وتأجيل تنفيذ المرحلة الثانية من الانسحاب "الاسرائيلي" من الضفة. وبحسب صحيفة "هارتس" (22/6/1998) الخطة هي خرق فاضح لاتفاق اوسلو، وعقبة اساسية امام التوصل الى تسوية سلمية، واجهاض لإمكان ايجاد حل لمشكلة القدس في المستقبل، وقتل تجربة التعايش اليهودي - العربي. الى جانب انها تقلص الى حد كبير قدرة السلطة الفلسطينية على السيطرة على الضفة الغربية، وتقطع اوصال الكيان الفلسطيني وتعزل القدس عن سائر المناطق في الضفة الغربية.

والخطة التي نالت موافقة الحكومة بالإجماع اثارت حفيظة عدد كبير من "الاسرائيليين" خصوصا البلدات والقرى اليهودية الواقعة غرب القدس التي يشملها القرار، والتي ترفض ذلك لاسباب بلدية داخلية خاصة، علاوة على ما يطرحه مشروع توسيع بلدية القدس من مشكلات مدنية وبيئية اذ سيقضي على مساحات واسعة من الأحراج ومن الاراضي الخضراء ويحولها غابة من الاسمنت.

وتنصب جهود وزير الداخلية ايلي سويسه، ورئيس بلدية القدس ايهود اولمرت على تسويق الخطة الجديدة، وازالة الاعتراضات من طريقها. ولقد نجح "الاسرائيليون" في التخفيف من حدة الاعتراض الاميركي على القرار بتركيزهم على ان ليس للخطة اهداف سياسية، وانما هي ذات طابع مديني - بلدي - اداري فقط. لكن تاريخ "اسرائيل" الطويل بمصادرة الاراضي والحاقها ومن ثم ضمها يجب ألا يغيب عن أحد، وفي صورة خاصة عن الفلسطينيين والعرب، الذين يشاهدون يوما بعد يوم خسارتهم الارض والحق.

القدس العربية : اطواق ثلاثة خلال 30 عاما

لمحة تاريخية :

سعت "اسرائيل" منذ احتلالها القدس الشرقية عام 1967، الى توطيد سيطرتها على المدينة في صورة تمنع اعادة تقسيمها في المستقبل بحيث تبقى القدس الموحدة عاصمتها الى الأبد.

وكما هو معلوم قسمت مدينة القدس بموجب اتفاق الهدنة الموقع بين "اسرائيل" والاردن في نيسان 1949، بحث اصبح الجزء الاكبر من المدينة، أي ما يعادل (1626 دونما، خاضعا للسيطرة "الاسرائيلية" ونحو 2220 دونما الحق بسلطات الاردن، وابقي على 850 دونما منزوعة السلاح وخاضعة لسيطرة الامم المتحدة. وبدءا من ذلك التاريخ عمد "الاسرائيليون" على اعلان القدس الغربية عاصمة لهم ونقلوا اليها معظم وزاراتهم ومؤسساتهم الحكومية.

وفور دخول الجيش "الاسرائيلي" القدس الشرقية في حزيران 1967، عمدت "اسرائيل" الى تطبيق سياسة ضم للأراضي العربية ومصادرتها رغم ان قرار الضم الرسمي للقدس الشرقية لم يصدر الا في 30/7/1980. لكن الضم الفعلي كان بدأ مع بداية الاحتلال وقطع اشواطا طويلة في تقليص الوجود العربي، وإضفاء الطابع اليهودي على المدينة. وهكذا جرى توسيع حدود بلدية القدس الى ثلاثة أضعاف مساحتها وباتت تشمل 110 آلاف دونم. وهناك ارقام اخرى تحدثت عن 71 الف دونم بينها اراض عربية كثيرة احتلتها "اسرائيل" عام 1967 وصادرتها لاهداف استيطانية.

كيف جرت عملية تصفية الوجود العربي وتهويد القدس ؟

استخدمت السلطات "الاسرائيلية" ثلاث وسائل لفرض سيطرتها على القدس، اولها تصفية المؤسسات العربية مثل جهاز القضاء والادارة العربيين، وحل بلدية القدس العربية، والحاق سكان المدينة "باسرائيل " بوصفهم سكانا في الدولة وليسوا مواطنين فيها. ويخضعون تاليا للقانون "الاسرائيلي" . والوسيلة الثانية كانت السيطرة على مساحات واسعة واستملاك اراض يملكها العرب بواسطة قوانين وضعت خصيصا لهذه الغاية. وفي طليعته قانون "الاستملاك للمصلحة العامة" وقانون احوال الغائبين". وتعدت عمليات استملاك القدس لتشمل مساحات واسعة من المناطق المحيطة بها.

اما الوسيلة الثالثة فكانت الخطط الاستيطانية التي قامت بتنفيذها الحكومات "الاسرائيلية" التي تعاقبت على الحكم منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.

مر استيطان المدينة القديمة بثلاث مراحل: الأولى أتت بعد الاحتلال مباشرة، عندما دمرت السلطات العسكرية "الاسرائيلية" حي المغاربة، وطردت السكان المقيمين فيه، بهدف انشاء ساحة واسعة للمصلين اليهود امام حائط المبكى. كما جرى تدمير مسجد البراق القديم ومسجد الافضلي.

المرحلة الثانية : بدأت بعد اصدار وزير المال في 18/4/1968، امرا باستملاك 116 دونما في القسم الجنوبي للمدينة للأغراض العامة. وكانت الغاية تطوير المنطقة بحيث تأوي أسرا يهودية جديدة من شأنها اعادة الحضور اليهودي الى المدينة القديمة.

وحتى الثمانينات، اتخذت الخطط الاستيطانية للقدس شكل اطواق ثلاثة:

* الطوق الاول: يهدف الى محاصرة البلدة القديمة داخل الاسوار والاحياء العربية المجاورة لها تمهيدا لتفتيتها واخلائها من سكانها العرب تدريجيا. ويتألف هذا الطوق من الحي اليهودي داخل البلدة القديمة جنوبا، والحديقة الوطنية المحيطة بسور البلدة من الشرق والجنوب وضمنها مناطق واسعة منع البناء فيها لابقائها احتياطيا طبيعيا للاستيطان اليهودي في المستقبل، ويحاول هذا الطوق في امتداده الغربي، خلق تواصل بين القدس الشرقية والغربية.

* الطوق الثاني: يتألف من عدد من الاحياء السكنية التي تحوط على شكل قوس بالقدس العربية من الجهات الجنوبية والشمالية والشرقية. ويعزل هذا الطوق المدينة عن التجمعات السكانية العربية الى الشمال والجنوب.

· الطوق الثالث : خارجي يحوط بالقدس من جهات الجنوب والشرق والشمال ويتكون من سلسلة مستوطنات تبعد اقصاها نحو 17 كلم عن مركز القدس. وهذه المستوطنات هي بيتار، معالية ادوميم، غفعات زئيف، وكتلة مستوطنات عتسيون المكونة من 16 مستوطنة.. ومستوطنات الطوق الثالث هذه التي لم تكن تقع ضمن حدود صلاحية بلدية القدس، باتت بحسب الخطة الاخيرة داخلة ضمنها

--------------------------------------------------------------------------------

mail my here
back to 1 site